يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي أو English
الناتج المحلي الإجمالي في الصين نمواً بنسبة 6.8%، وهو ما يرجح معه أن يصبح معدل النمو السنوي للعام بأكمله في نطاق 6.8%-6.9%. ويعدّ هذا أعلى بكثير من المعدل السنوي المستهدف والبالغ 6.5% الذي حددته السلطات الصينية في بداية العام، كما أنه أعلى كذلك من نسبة 6.7% المسجلة في العام الماضي. فبعد ست سنوات من تباطؤ النمو وتزايد المخاوف من ما يعرف بـ "الهبوط الصعب"، لم يكن من المتوقع كثيراً أن يحدث تسارع للنمو في الصين. غير أن هذا النمو المفاجئ لا يمكن التعويل عليه للاعتقاد بأن ما حدث هو نمو أعلى مستدام. فما تحقق مؤخراً من ارتفاع في نمو الصين كان إلى حد كبير بفعل عوامل دورية مؤقتة، وقد بدأ تأثير هذه العوامل في التلاشي بالفعل. وبالإضافة إلى ذلك، يجري العمل في الصين على تقليص حجم ديون الشركات تدريجياً، مما سيكون له أثر سلبي على النمو في المستقبل.
كانت هناك ثلاثة عوامل دورية رئيسية وراء ارتفاع النمو في عام 2017. العامل الأول هو التحسن المتزامن في النمو العالمي على نطاق الأسواق الناشئة والاقتصادات المتقدمة. وقد ارتفعت صادرات الصين هذا العام بنسبة تقدر بنحو 14% خلال ثلاثة فصول في عام 2017، مقارنة بانخفاض قدره 1.6% خلال نفس الفترة من العام الماضي. وقد كانت الركيزة الأساسية لهذا الانتعاش في النمو هو الارتفاع واسع النطاق للطلب من الشركاء التجاريين الرئيسيين للصين. فقد أدت عوامل التحسن في سوق العمالة والارتفاع في الاستثمارات في الاقتصادات المتقدمة إلى تعزيز صادرات الصين من السلع الاستهلاكية والآليات والمعدات. وفي نفس الوقت، ارتفع طلب الأسواق الناشئة للبضائع والخدمات الصينية على نحو يعكس ارتفاع أسعار السلع والبيانات الإيجابية التي أشارت إلى ارتفاع النمو في الاقتصادات المتقدمة.
ثانياً، شهدت السياسة المالية توسعاً أكبر في 2017، خصوصاً مع بداية العام. وبلغ عجز الموازنة الصينية أعلى مستوى له بعد الأزمة بنسبة 6.5% خلال النصف الأول. وقامت السلطات بزيادة الإنفاق وخفض الضرائب من أجل تنشيط الطلب وتعزيز فرص العمل في المناطق المتضررة من قيود الإنتاج على القطاعات التي تعاني من فائض الطاقة الإنتاجية، مثل الصلب والفحم. وبالإضافة إلى ذلك، زادت الحكومة المركزية من الاستثمار في الشراكات بين القطاعين العام والخاص في مجالات النقل والبنية التحتية الأخرى، التي بلغت ذروة نموها بنسبة تزيد على 60% من حيث القيمة في الربع الأول من 2017.
ثالثا، تحسنت الظروف المالية مع توقف صافي تدفقات رؤوس الأموال نحو الخارج. وفي الفترة 2015-2016، شهدت الصين موجات كبيرة لهروب رؤوس الأموال، بشكل استنزف احتياطاتها الدولية بما يفوق 1 تريليون دولار أمريكي. وأدى تشديد الضوابط على رأس المال وقيود الصرف الأجنبي إلى وضع حد لصافي التدفقات الخارجة، كما زادت الاحتياطيات بشكل طفيف بحوالي 100 مليار دولار أمريكي منذ بداية عام 2017. وقد أدى ذلك إلى تخفيف الضغط الهبوطي على العملة الصينية (الرينمينبي) وعودة صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى المنطقة الإيجابية أيضاً.
ولكن يبدو أن الارتفاع الناتج عن هذه العوامل الدافعة الثلاثة قد وصل إلى ذروته وينبغي له أن يتلاشى مستقبلاً بحلول عام 2018. فقد تراجعت الصادرات الصينية في الربع الثالث على خلفية انخفاض الطلب من الاقتصادات المتقدمة، وكانت المحفزات المالية مركزة بدرجة عالية في بداية السنة ثم تقلصت لاحقاً، كما لا يُرجح أن تزداد التدفقات الرأسمالية تدريجياً حيث تسعى السلطات إلى الحد من تدفق الأموال الساخنة لتحقيق مزيد من الاستقرار في سعر صرف الرنمنبى.
ولكن الأمر الأهم من ذلك هو أنه مع تلاشي العوامل الدافعة، سيكون النمو أكثر عرضه للتأثير السلبي للتخفيض التدريجي للديون في قطاع الشركات. فقد انخفضت ديون الشركات الصينية من 167% من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول إلى 166% في الربع الثاني، ورغم أن هذا الانخفاض هامشي لكن له دلالات مهمة لأنه كان أول انخفاض منذ عام 2011. ويبدو أن السلطات ملتزمة بحزم بضبط النمو الائتماني المفرط، ويشير ذلك إلى احتمال استمرار عملية تخفيض الديون في عام 2018 دافعة النمو للأسفل.