بعد مرور أكثر من عامين على اكتشاف فيروس كوفيد-19 لأول مرة، يمر الاقتصاد العالمي حالياً بمرحلة تعافي من موجة جديدة للجائحة. وعلى مدار العامين الماضيين، تحور فيروس كوفيد-19 وتطور إلى عدد من السلالات المثيرة للقلق، كان آخرها أوميكرون. ولكن الاستجابة البشرية للجائحة تطورت أيضاً ومرت بعدة مراحل، وشمل ذلك فرض عمليات الإغلاق الصارمة وتطوير لقاحات فعالة والعودة لمزاولة الأنشطة وفرض تدابير احترازية مستهدفة. وأدى تطور الفيروس وفرض عمليات الإغلاق الأولية في مطلع عام 2020 إلى أكبر ركود متزامن في الاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية. وقد تبعت ذلك موجات من الجائحة أثرت سلباً على التعافي العالمي، ولكن بقدر أقل.
يشرح تقريرنا الأسباب التي تجعل لأوميكرون تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي ولماذا نتوقع أن يكون هذا التأثير محدوداً ومؤقتاً.
أولاً، يعد أوميكرون أكثر عدوى من السلالات السابقة المثيرة للقلق، وقد أدى إلى زيادة كبيرة في حالات كوفيد-19 (الرسم البياني 1). فمع وجود 36 طفرة في البروتين الشوكي، فإن قدرة أوميكرون على الانتشار أكبر بمرتين إلى ثلاث مرات من متحور دلتا. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعدد طفرات أوميكرون يعني أيضاً أن الأجسام المضادة المكتسبة من أي عدوى سابقة، أو نجاعة اللقاحات التي تم تطويرها لاستهداف الفيروس الأصلي، ستكون أقل فاعلية. على سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن الحماية من جرعتين من لقاح فايزر بيونتيك ضد أي عدوى بأوميكرون مصحوبة بأعراض قد انخفضت إلى أقل من 40 في المائة. في الواقع، يمكن القول بأن اللقاحات لم تكن فعالة في منع العدوى الخفيفة الناتجة عن متحور أوميكرون وانتقاله.
ثانياً، لقد أثر أوميكرون بالفعل على الاقتصاد العالمي. فقد وصل إلى أوروبا وأمريكا الشمالية في نفس الوقت الذي شجع فيه موسم الأعياد الأشخاص على السفر وعقد التجمعات الداخلية الكبيرة. وبالتالي، شهدت المنطقتان أكبر زيادة في عدد الحالات حتى الآن، واضطرت البلدان إلى تشديد القيود الاحترازية لتجنب إنهاك أنظمة الرعاية الصحية (الرسم البياني 1). وتمثل هاتان المنطقتان نصيب الأسد (53%) من الناتج الإجمالي العالمي ولديهما قطاعات استهلاكية كبيرة، وهي الأكثر عرضة للتأثر بالقيود الحكومية أو عمليات الإغلاق، أو حتى بتفضيل الأشخاص ببساطة البقاء في منازلهم.
وباختصار، نتوقع حدوث تأثير سلبي على النشاط الاقتصادي العالمي بداية من الربع الرابع من عام 2021 ويستمر حتى الربع الأول من عام 2022، لأن أوميكرون معدي للغاية وقد أصاب قلب الاقتصاد العالمي.
ننتقل الآن إلى سبب توقعنا أن تكون الرياح الاقتصادية المعاكسة جراء أوميكرون محدودة ومؤقتة. أثبت أوميكرون أنه أقل حدة من السلالات الأخرى المثيرة للقلق وهناك دليل واضح على أن اللقاحات لا تزال فعالة في الحد من شدة العدوى. ويمكن ملاحظة هذا الأمر من خلال انخفاض معدل الوفيات (الوفيات المبلغ عنها لكل حالة تم الإبلاغ عنها) إلى 0.3% فقط في وقت كتابة هذا التقرير، حيث تراجع من 3% في أوائل عام 2021 (الرسم البياني 2). في الواقع، تظهر الدراسات أن الحماية التي تقدمها جرعتين من لقاح فايزر بيونتك ضد الأمراض الشديدة تظل قوية بنسبة 70%. علاوة على ذلك، فإن الأشخاص الذين تلقوا أيضاً الجرعة المعززة يتمتعون بحماية أفضل من الأمراض الشديدة.
لذلك شددت الحكومات القيود بطريقة أكثر استهدافاً مما كانت عليه خلال موجات الوباء السابقة. بالإضافة إلى ذلك، يرجح أن تكون القيود ضرورية لفترة قصيرة من الوقت فقط حيث تصبح الحكومات والسكان أكثر تقبلاً لارتفاع أعداد حالات الإصابة بسبب انخفاض الخطورة وانخفاض معدل الوفيات. كما نتوقع أن يؤدي تراكم المناعة الطبيعية، بالإضافة إلى حملات التطعيم المستمرة، إلى المساعدة في تقليل عدد الحالات الجديدة، حتى مع رفع القيود في وقت لاحق من العام. لذلك نتوقع أن يتم البدء في تخفيف القيود قريباً، مما سيوفر دفعة للنشاط الاقتصادي في النصف الثاني من عام 2022.
نتيجة لذلك، نتوقع أن يخفض صندوق النقد الدولي تقديراته لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2021 وتوقعاته لعام 2022 في نسخة شهر يناير من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، فإننا لا نتوقع سوى تنقيحات تنازلية متواضعة في كلا العامين حيث أن تأثير أوميكرون لم يتحقق إلا في نهاية عام 2021 وسيتم تعويض التأثير السلبي في بداية عام 2022 جزئياً من خلال زيادة النشاط في وقت لاحق من العام.
هل كان هذا المحتوى مفيدا؟