نشر يوم : Sun, 21 Jan 2024
تُعتبر التجارة العالمية إلى حد كبير مقياساً مهماً لتقييم النشاط الاقتصادي. في الواقع، هناك عدد قليل من المؤشرات التي يمكن أن تضاهي الرؤى التي توفرها بيانات التجارة فيما يتعلق بتقييم الأوضاع الاقتصادية العالمية. توفر بيانات التجارة، التي تستند إلى معاملات حقيقية عبر الحدود، فهماً شاملاً للطلب الإجمالي على المنتجات الأساسية وعوامل الإنتاج. وهذا يشمل السلع المادية والسلع الرأسمالية وكذلك المدخلات الأساسية مثل المواد الخام والبضائع. نتيجة لذلك، تستجيب بيانات التجارة العالمية بشكل سريع لأوضاع الاقتصاد الكلي، وتتأرجح وفقاً لدورات التوسع والانكماش الاقتصادي.
في الآونة الأخيرة، بعد التعافي الكبير في النشاط في أعقاب الجائحة، ظهرت علامات ضعف كبيرة على التجارة العالمية، فقد ظلت تتراجع لعدة أشهر. وفقاً لمكتب التخطيط المركزي الهولندي لتحليل السياسات الاقتصادية (CPB NEPA)، تقلصت أحجام التجارة العالمية بنحو 3.5% على أساس سنوي في سبتمبر 2023، وهي أحدث البيانات المتاحة. واللافت أن هذا ظل يحدث على الرغم من استمرار تراجع الاختناقات والقيود المرتبطة بسلاسل التوريد. ومن المحتمل أن يكون هذا مرتبطاً بالركود المستمر في قطاع التصنيع العالمي، والذي يؤدي إلى انخفاض الطلب على السلع، مما يؤثر سلباً على المصدرين الرئيسيين في مجال التصنيع، مثل العديد من الدول الآسيوية والأوروبية.
ومع ذلك، فإن البيانات المرتبطة بحجم التجارة العالمية توفر لنا صورة للماضي القريب، لا الحاضر أو المستقبل. على سبيل المثال، يتم إصدار بيانات مكتب التخطيط المركزي الهولندي لتحليل السياسات الاقتصادية بتأخر مدته ثلاثة أشهر. ومن الأفضل النظر في مصادر البيانات البديلة التي توفر رؤى متزامنة ومستقبلية، أي المؤشرات الرائدة التي تتوقع ما يُحتمل أن يحدث في الاقتصاد، بدلاً من النظر في البيانات السابقة.
من وجهة نظرنا، تشير المؤشرات الرئيسية إلى أن التراجع في التجارة العالمية قد انتهى على الأرجح، حتى لو لم تكن هناك أرضية لتحقيق انتعاش كبير أو طفرة خلال الأشهر المقبلة. وهناك ثلاث نقاط رئيسية تدعم تحليلاتنا.
أولاً، تشير المؤشرات المتزامنة الصادرة عن الاقتصادات ذات التقارير المبكرة والاقتصادات شديدة الانفتاح في شرق آسيا (كوريا الجنوبية، وتايوان، وسنغافورة، واليابان) بالفعل إلى حدوث توسع. وبعد أكثر من عام من الركود، بما في ذلك انخفاضات بأرقام مزدوجة لعدة أشهر، بدأت الصادرات في التوسع مرة أخرى في أكتوبر 2023. وهذا أمر مهم، حيث تميل هذه البلدان إلى قيادة أنماط التجارة العالمية، نظراً للدور الرئيسي الذي تلعبه في سلسلة الإمداد من الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات. وتشير مثل هذه التحركات إلى استقرار كبير وتعافٍ متواضع في إجمالي التجارة العالمية في الربع الأخير من عام 2023، والذي من المفترض أن يستمر خلال الأرباع المقبلة، لا سيما بعد ركود طويل في قطاع التصنيع.
ثانياً، يتوقع المستثمرون الذين يستشرفون المستقبل تحسناً في الوضع. وفي الواقع، فإن توقعات المستثمرين بشأن الأرباح المستقبلية لقطاع النقل، وهو مؤشر رئيسي للنمو المستقبلي في التجارة العالمية، لا تزال تشير أيضاً إلى تعافي الطلب على السلع المادية. ويشير مؤشر داو جونز للنقل، وهو مؤشر للأسهم يتألف من شركات الطيران والنقل بالشاحنات والنقل البحري والسكك الحديدية وشركات التوصيل، والتي عادة ما يسبق أداؤها الصادرات بما لا يقل عن 3 أشهر، إلى استقرار واسع النطاق في التجارة خلال الأشهر المقبلة، حتى لو لم تظهر بعد علامات لحدوث زخم اقتصادي حتى الآن.
ثالثاً، من المرجح أيضاً أن تلعب تحركات أسعار صرف العملات الأجنبية دوراً في دعم التجارة العالمية. تاريخياً، ترتبط التجارة العالمية سلباً بالدولار الأمريكي، حيث تتوسع أحجام التجارة عندما تنخفض قيمة الدولار الأمريكي والعكس صحيح. على الرغم من بعض التقلبات في وقت سابق من العام الماضي، انخفض مؤشر الدولار بالفعل بنسبة 9% تقريباً من أعلى المستويات التي شهدها في أواخر سبتمبر 2022. ويعد ضعف الدولار الأمريكي بمثابة قوة مساعدة رئيسية لنمو التجارة العالمية. يتم إصدار فواتير حوالي 40% من تدفقات التجارة العالمية بالدولار الأمريكي، كما أن تراجع قيمة الدولار الأمريكي يجعل الواردات غير الأمريكية أرخص. وهذا يزيد من الدخل المتاح بل ويدعم استبدال المنتجات المحلية بأخرى مستوردة، مما يؤثر بشكل إيجابي على أحجام التجارة.
وبشكل عام، نعتقد أن الظروف مواتية لحدوث مزيد من الاستقرار في التجارة العالمية، وربما العودة إلى معدلات النمو المتواضعة. ويستند هذا إلى بيانات متزامنة أقوى وتوقعات استشرافية من المستثمرين في مجال النقل والدعم الإضافي الناتج عن تحركات أسعار صرف العملات الأجنبية. ومع ذلك، وعلى الرغم من الاستقرار، لا توجد مؤشرات على حدوث تعافٍ أقوى خلال الأشهر المقبلة.
هل كان هذا المحتوى مفيدا؟